الإيقاع بين العرب القدامى والمحدثين

عَالَجَتْ اَلدِّرَاسَاتُ اَلْعَرَبِيَّةُ اَلْقَدِيمَةُ اَلْأَوْزَانَ، وَبَحَثَتْ فِي طَبِيعَتِهَا، وَکَشَفَتْ عَنْ عُيُوبِهَا، وَرُغْمُ کُلَّ هَذَا فَإِنَّ کُلَّ هَذِهِ اَلْجُهُودِ غَيْرِ کَافِيَةٍ؛ لِأَنَّ اَلْأَوْزَانَ اَلْخَلِيلِيَّةَ لَيْسَتْ اَلنَّبْعَ اَلْوَحِيدَ اَلَّذِي يَرْفِدُ اَلشِّعْرُ بِالْمُوسِيقَى، أَوْ اَلْمَصْدَرَ اَلْوَحِيدِ لِلْإِيقَاعِ؛ وَهَذَا يَعْنِي أَنَّ مُصْطَلَحِي اَلْإِيقَاعِ وَالْوَزْنِ غَيْرِ مُتَرَادِفَيْنِ رُغْمَ وُجُودِ تَدَاخُلٍ بَيْنَهُمَا، فَلِلْإِيقَاعِ عَلَاقَةٍ وَطِيدَةٍ بِالْوَزْنِ سَوَاءٌ فِي اَلشِّعْرِ اَلْعَمُودِيِّ أَوْ فِي شِعْرِ اَلتَّفْعِيلَةِ.
فَقَدْ تَتَشَابَهتْ عِدَّةُ قَصَائِدَ فِي اَلْوَزْنِ اَلْعَرُوضِيِّ؛ لَکِنْ لِکُلٍّ مِنْهَا إِيقَاعُهَا اَلْخَاصُّ بِهَا؛ وَهَذَا يَعْنِي أَنَّ مُصْطَلَحَ اَلْإِيقَاعِ يُفَسِّرُ کُلِّيَّةَ اَلْقَصِيدَةِ وَيَدْخُلُ فِي کُلِّ بِنْيَاتِهَا، بِنْيَةٍ بِنْيَةٍ، فَللَّکَلْمَاتِ المُفْرَدَةِ إِيقَاعُهَا، وَلَهَا حِينِ تَدْخُلُ فِي تَرْکِيبِ مَا، إِيقَاعُهَا أَيْضًا، کَمَا أَنَّ تَشْکِيلَ اَلصُّوَرِ اَلْفَنِّيَّةِ يَنْتِجُ بِمُوسِيقِيِّ دَاخِلِيَّةٍ؛ عِلَاوَةٍ عَلَى اَلْإِيقَاعِ اَلَّذِي يُوَلِّدَهُ اَلتَّصَرُّفُ فِي عَدَدِ اَلتَّفْعِيلَاتِ، وَالتَّنَوُّعُ فِي اَلْأَوْزَانِ بِتَنَوُّعِ اَلْبُحُورِ؛ يَکْشِفُ بِدَوْرِهِ عَنْ خَصَائِصَ إِيقَاعِيَّةٍ نَسْتَشِفُّهَا مِنْ اَلنَّسِيجِ اَللُّغَوِيِّ لِلنَّصِّ اَلشِّعْرِيِّ.
فَقَدْ تَفَطَّنَ اَلْعَرَبُ اَلْقُدَامَى إِلَى عُنْصُرِ اَلْمُوسِيقِيِّ وَاعْتَبَرُوهُ اَلْعُنْصُرَ اَلْبَارِزَ فِي اَلشِّعْرِ، بَلْ وَصَفُوا اَلشَّعْرَ کَوْنَهُ اَلْقَوْلَ اَلْمَوْزُونَ اَلْمُقَفَّى اَلَّذِي يَدُلُّ عَلَى مَعْنًى، فَلَا يُمْکِنُ اَلْقَوْلُ إِنَّ اَلْعَرَبَ اَلْقُدَامَى لَمْ يَتَنَاوَلُوا اَلْأَوْزَانُ وَالْمَعَانِي، بَلْ تَنَاوَلُوهَا مِنْ عِدَّةِ أَقْسَامٍ: اَلْقِسْمِ اَلْأَوَّلِ: جَانِبُ اَلْمَعْنَى إِلَى اَلْمَبْنَى، وَالْقِسْمُ اَلثَّانِي: جَانِبُ اَلْمَبْنَى إِلَى اَلْمَعْنَى، اَلْقِسْمُ اَلثَّالِثُ: مُتَوَسِّطُ بَيْنَهُمَا شَامِلاً اَلْإِثْنَيْنَ بِاهْتِمَامِهِ، مُشِيرًا إِلَى أَثَرِهِمَا فِي تَکْوِينِ اَلْقَصِيدَةِ اَلْعَرَبِيَّةِ